وثيقة:توسع حجم القاهرة العمراني: هل نتدارك مخاطره، أو نبني عليه؟
توسع حجم القاهرة العمراني: هل نتدارك مخاطره، أو نبني عليه؟
كتابة
أحمد زعزع
باحث ومصمم عمراني
شريك مؤسس لشركة ١٠ طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية
جهة النشر
الملف المصري - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية
العدد ٥٥
تاريخ النشر
مارس - ٢٠١٩
نص المقال
توسع حجم القاهرة العمراني: هل نتدارك مخاطره، أو نبني عليه؟
موجز المقال
القاهرة مدينة عضوية. بمعني أن معظم المؤثرات التي شكلت تلك المدينة، كانت من خلال قرارات مجتمعية كرد فعل لسياسات إقتصادية. أدي ذلك إلي توسع القاهرة بشكل قد يكون خطراً علي بقاءها بالصورة الذهنية لها، كمدينة تراثية أو كمدينة حيوية. فيحاول هذا المقال التحقق من أسباب التوسع المخيف في القاهرة وما الذي تخسره من ذلك التوسع، و هل هو مُدرَك بالنسبة للدولة و يعمل من خلال هياكل و منهجيات، أم هو نتيجة رد فعل لتغيرات سياسية؟ يحاول المقال التحقق من تلك الأسئلة من خلال رصد تحولات الأنشطة المختلفة في المدينة مما هو رسمي أو لا رسمي مما هو سكني و غير سكني، وصولاً للوضع الراهن و ما قد تؤول إليه القاهرة.
كيف بدأت القاهرة، ولماذا توسعت؟
تشهد القاهرة عملية نمو مستمر منذ ٤٠٠٠ وإلي الآن، حيث أصبحت إحدي أكبر المدن عالمياً. فمنذ مستوطنات مدينة ممفيس الفرعونية وإلي حصن بابليون الروماني، إلي الحكم الإسلامي في القرن السابع والذي لعب الدور الأكبر في تشكيل المدينة الحالية. حيث أن تأثير مدن الفسطاط والقطائع والعسكر، وإلي كلٍ من القاهرة الفاطمية، المملوكية، العثمانية و الخديوية، لايزالوا يشكلون أنسجة مدينة القاهرة الحديثة.
فبمنطقة البدرشين و بالأخص، ميت رهينة، بدأت القاهرة كموقع مدينة ممفيس التي بناها مينا (نارمر) وأول عاصمة لمصر عام ٢٩٢٥ ق.م. و إتخذت موقعها علي الضفة الغربية لنهر النيل، جنوب القاهرة الحالية. قابلها علي الضفة الشرقية، شمالاً، وبعد أكثر من ٢٠٠٠ عام، حصن بابليون، الذي بناه الفرس في القرن السادس ق.م. ثم إستخدمته الجيوش الرومانية كبذرة لبناء القاهرة القبطية، بعد إدخال المسيحية في مصر. ومن ذلك الحين، بدأت تتشكل القاهرة علي الضفة الشرقية من نهر النيل.
مع دخول عمرو بن العاص مصر في القرن السابع، صارت القاهرة تنمو شمالاً، وصولاً للقاهرة الفاطمية التي تعتبر مركز جاذبية القاهرة، إلي يومنا هذا. بدأت من القاهرة الفاطمية في عصر الفاطميين، والتي ضمت مناطق الأزهر، الدرب الأحمر و الجمالية. و لم تضم تلك المدينة، سكان من العامة، بل كانت تضم فقط قصور للنبلاء وأسواق تجارية، يزورها العامة للتجارة فقط. تغير هذا الوضع سريعاً، و بدأت تضم منازل لفئات من غير النبلاء. ثم توسعت القاهرة خارج أسوار المدينة في العصر الطولوني، لتشمل منطقتي القلعة و الخليفة. وتمركزت الدولة الأيوبية في قلعة صلاح الدين، مما أعطي أهمية أكبر لمنطقة الخليفة. بينما بدأت تظهر مباني في مناطق غير مأهولة، حين ذاك، كمنطقة الظاهر بجانب حي العباسية. لم تتوسع دولة المماليك جغرافياً، بشكل ملحوظ. بل قامت بتطوير القاهرة الفاطمية و حي الخليفة و إعطاء كل منهما الطابع و النسيج الموجود الآن. و تلتها الدولة العثمانية التي توسعت خارج قلب الحدث، لتقيم منطقة بولاق أبو العلا، كميناء للقاهرة، ينافس ميناء أثر النبي بجانب حصن بابليون.
ملف:القاهرة ١٧٠٠ شكل (١): خريطة القاهرة عام ١٧٠٠م
تضاعف حجم القاهرة مع حكم محمد علي وإلي حفيده الخديوي إسماعيل. فقد تملك كل منهما حلم تحويل القاهرة لتكون قطعة من أوروبا. وبالفعل، بدأ توصيل القاهرة الإسلامية بنهر النيل وبولاق أبو العلا، عن طريق بناء المنطقة المعروفة بوسط المدينة حالياً. و توسعت القاهرة أيضاً، لتضم الجزر النيليه، كالزمالك و المنيل، و أيضاً الضفة الغربية لنهر النيل. و تلاهم توسعات للقاهرة في كل الإتجاهات، حيث ظهرت مناطق شبرا، الدقي، العباسية، مصر الجديدة، المعادي وحلوان (١). كل تلك التوسعات لم تكن للعامة، مثل القاهرة الفاطمية في بدايتها. فقد كان سكان معظم مناطق التوسع الخديوي، من أغنياء أوروبا والشام، والأتراك، بالطبع.
ملف:القاهرة ١٩١٠ شكل (٢): خريطة القاهرة عام ١٩١٠
تبني جمال عبد الناصر فكرة الحداثة، وإنعكست تلك الفكرة في رؤية المدينة. فالمدينة، ذلك الوقت، كانت تعتبر كبيرة، و لكن ليست بالشكل الكافي لإحتواء المشاريع و عدد السكان، الذي بدأ في التزايد. فبذلك الوقت، كانت القاهرة قد إكتسبت أهمية و إهتمام، جعل كل الفرص تتوافر فيها، مما أدي إلي إهمال باقي مدن مصر، و تركيز معظم الموارد إلي القاهرة. أدي ذلك لزحف الهجرة الداخلية من جميع مدن مصر، إلي القاهرة. فتبني عبد الناصر العديد من إستراتيجيات التخطيط، فبدأ بوضع الإسكان الجماعي كمسؤولية للدولة. فظهرت تجمعات سكنية عديدة، أهمها مناطق إمبابة، وشمال بولاق والأميرية وعين الصيرة (٢)، مما سمح لعشرات آلاف النازحين من المدن الأخري، الإقامة بالقرب من وسط المدينة. و قام أيضاً بتغيير التركيبة السكانية للأحياء التي توسعت في الفترة الخديوية، لتحتوي الطبقة المتوسطة، و لا تكون مقصورة علي أغنياء المدينة. ولكن بقت الزيادة السكانية في الصعود، فتتطلب ذلك توسعات جديدة في المدينة. فتوسعت القاهرة مرة أخري شرقاً، و ذلك ببناء حي مدينة نصر، و الذي كان يعد مدينة جديدة في ذلك الحين. و غرباً، و علي المنطقة الزراعية، تم بناء مدينة الأوقاف، والتي تعرف بحي المهندسين اليوم. إلي أن وصلت القاهرة إلي مساحة ٣١٠ كم٢، و هي مساحة كانت تعتبر كبيرة نسبياً، بالمقارنة بالمدن الكبري في أوروبا.
ملف:القاهرة ١٩٦٩ شكل (٣): خريطة القاهرة عام ١٩٦٩
لعدم قدرة توسعات عبد الناصر في إحتواء الهجرة الداخلية التي لم تتوقف، تطلب توسع كبير لتوزيع الكثافة السكانية والمشاريع التنموية، إلي خارج حدود المدينة، وبناء مدن جديدة صناعية، تجتذب العمال وأسرهم للسكن جانب أعمالهم في ذلك الوقت، و هي المصانع. فظهرت فكرة إقامة مدينتين صناعيتين، ما يسمي حالياً بمدينة العاشر من رمضان شرقاً، ومدينة السادس من أكتوبر غرباً، و التي إستكمل العمل عليهما السادات، بعد وفاة عبد الناصر، وتم الإنتهاء من تخطيطهما في أوائل فترة رئاسته. ظن المخططين أن كلتا المدينتان بعيدتان بالشكل الكافي، لتسمح بهجرة العمال وسرهم لهما. ولكن المسافة كانت مناسبة للعمال لعمل رحلة يومية من وسط المدينة إلي المصانع، فلم تصل المدينتان لهدف فك المركزية السكانية السكانية بالشكل الكافي.
ملف:القاهرة ١٩٨٥ شكل (٤): خريطة المدن الصناعية عام ١٩٧٥
تعد فترة السادات هي الكبري في تغيير شكل القاهرة، من خلال قضيتان، و هما سياسات الإنفتاح وخوض مصر لحرب مع إسرائيل. أدت الحرب إلي عدم إهتمام الدولة بالعمران، حيث أن معظم ميزانيات الدولة كانت تتوجه، أو توجهت بالفعل، لميزانية الحرب وما بعد الحرب. فتدهورت الأحياء السكنية من حيث البنية التحتية والطابع العمراني والمعماري. وشاركت سياسات الإنفتاح في تغير شكل أسر الطبقة المتوسطة و طبقات الأدني، حيث أن معظم الأسر سافروا للعمل في الخارج، في بداية صعود دول الخليج، و عادوا بمدخرات كافية للإستثمار. من أبرز أشكال الإستثمار، كان الإستثمار العقاري، الذي بدأ في الصعود في أواخر السبعيات. مغيراً طابع الأحياء القائمة، من حيث بناء أدوار إضافية وبروز في معظم المباني، مما أدي إلي زيادة الكثافة الثكانية في معظم الأحياء. وأبرز الأمثلة علي ذلك، هما كل من حي مدينة نصر وحي المهندسين، الذان تم بناءهما بإشتراط إرتفاع لا يتعدي الأربع طوابق. صارت المباني تتخطي السادس عشر طابق اليوم. ومن ناحية أخري، وجدت المجموعات الأقل دخلاً من محافظات مصر، سبيلاً للهجرة للقاهرة و بناء مستوطنات سكنية علي أطراف المدينة. فبدأ البناء علي أراضي ملك الدولة وأراضي زراعية، غياب الدولة في ذلك الوقت، شجع لأن تكون تلك المستوطنات ضخمة جداً. سميت تلك المستوطنات لاحقاً، بالمناطق اللا رسمية أو ما يسمي ب"العشوائيات".
صورة (١): حي دار السلام. الصورة لفوزي الجزايرلي عام ٢٠٠١
بدأت المناطق اللا رسمية في منتصف السبعينيات، حيث زحفت علي كل أنحاء القاهرة بأعداد سكان كبيرة جداً. وكان الطابع العمراني لتلك المستوطنات، متأثر بالريف، أو بالطابع الأصلي لتلك السكان. و كانت تعكس الإحتياج للسكن بشكل واضح، فكانت منازل صغيرة، كل منزل يضم أسرة أو أسرتان من الأقارب، أعطت فرصة الإتفاع بدور أو دورين في حالة زواج الإبنة أو الإبن، للمعيشة بجانب أسرهم. وفرت أيضاً المناطق اللا رسمية فرص لسكان المناطق التراثية التي تدهورت من غياب الدولة، بديلاً مناسباً للمعيشة. مما أدي إلي تقليل الكثافة في المناطق التراثية، وإزدياد تدهورها. غطي ذلك النمط العمراني مناطق عديدة، أهمها دار السلام جنوباً، إمبابة شمالاً، بولاق الدكرور غرباً و منشآة ناصر شرقاً.
بالتوازي و في أوائل الثمانينيات و مع تولي مبارك للرئاسة، سلطت الدولة الضوء علي أهمية المدن الجديدة. والتي كانت ورثت أفكارها المبدئية من فترة السادات. فظهرت مدن مثل الشروق و العبور و بدر و القاهرة الجديدة شرقاً. فوصل الزحف العمراني لمدينة العاشر من رمضان، من خلال مدن صحراوية شاسعة، النصيب الأكبر فيها للسكن الفاخر. ، وبقول شاسعة، تم تخطيط القاهرة الجديدة علي مساحة ٣١٤ كم٢، أي أكبر من مساحة القاهرة ككل عام ١٩٧٤. ومدينة الشيخ زايد وحدائق الأهرام غرباً، مما أدي إلي وصول القاهرة لمدينة السادس من أكتوبر. ومدينة ١٥ مايو جنوباً، التي تم إفتتاحها في فترة السادات و بدأت العمل في فترة مبارك. (٣)
ملف:القاهرة ٢٠٠٨
شكل (٥): خريطة القاهرة عام ٢٠٠٨ و تركيب خريطة القاهرة عام ١٩٧٠
وضع القاهرة العمراني الراهن
كِبَر مساحة المدن يعتبر قيمة، إذا تم الإستفادة منه و إستخدامه بشكل كافئ. في حالة القاهرة اليوم، مساحة التوسع التي وصلت إليه عبر الزمن، أنتجت المزيد من الفصل بين مكونات المدينة، و خصوصاً في العقود الأربعة الماضية. فكما سبق عرضه في المقال، فقد وصلت القاهرة إلي مشهد غريب، منفصل تماماً عن المنهجية عملية النمو التي بدأت بها. و يكون من خلال الآتي:
قلب تاريخي متهالك:
وينتقص منه أجزاء كل يوم ويختفي شيئاً فشيئاً. وللأسف، يتم ذلك من خلال قرارات حكومية مباشرة، بإزالة، إما مباني تاريخية أو أحياء تاريخية بالكامل، تحت راية عدم الأمان. فقد تم مؤخراً إدراج العديد من الأحياء ذات الطابع التاريخي كمناطق خطرة، مما يتيح للدولة مسح تلك المناطق من علي الأرض، مثل منطقة مثلث ماسبيرو. وأحياء أخري تنتظر مصير ماسبيرو، بعد أن تم إخلائهم من السكان، كحي عرب اليسار بالقلعة. ومناطق أخري تحت التهديد، كنزلة السمان وحي الحطابة و العديد من الأحياء المنتظر إزالتها هذا العام. وللأسف، في أغلب الأحيان، يتم إسبدال تلك المناطق بأبراج زجاجية، مراكز تجارية حديثة. كما تعاني المناطق التاريخية التي نجت من خطر الإزالة، تدهور مفجع في البنية الأساسية والعمرانية، ولا توجد بوادر مخططات تطوير، تستفيد من تاريخ تلك المناطق إجتماعياً وإقتصادياً وسياحياً.
مشاريع إسكان مجمع حكومي:
بدأت تلك المشاريع في تشكيل نمط جديد، بارزاً علي خريطة القاهرة. فأين سيذهب سكان المناطق التي يتم إخلائها، إن كانت تاريخية أو عشوائية؟ تبنت الدولة مشاريع الإسكان الحكومي، بعد أن نجح مبارك في كسب شعبية من خلال توفير مشاريع الإسكان التي توفرها الدولة. بل تضاعفت، و صار الحلم هو مليون وحدة سكنية. مليون وحدة سكنية متطابقة في كل من الشكل، المساحة، الخدمات والأماكن التي تقام عليها في المدينة، لسد إحتياجات ملايين الأسر التي سوف يتم إعادة تسكينهم بعد إزالة أحيائهم، علي مستوي الجمهورية. و قد تكلفت الدولة، حتي الآن، ٤ مليارات جنيهاً في أخر ٤ سنوات، لبناء ٣٨ ألف وحدة فقط. (المصدر: الصفحة الرسمية لوزارة الإسكان و المرافق) بينما التجارب التي شهدتها مدن شبيهه بظروف القاهرة، نجحت بدون تهجير، و بكلفة إقتصادية أقل، و أنتجت أحياء مطورة وجاذبة لمستخدمين وأنشطة أكبر.
مناطق لا رسمية:
في عام ٢٠٠٩ قامت منظمة التعاون الألماني بعمل بحث وافي عن نسبة المناطق اللا رسمية من البيئة العمرانية. أظهرت نتيجة البحث أن ٦٥٪ من البيئة العمرانية في القاهرة، لا رسمي. أي أن المدن الجديدة والأحياء كالمهندسين و مصر الجديدة و الدقي و مدينة نصر و الزمالك و وسط البلد، يشكلون ٣٥٪ فقط من البيئة العمرانية. عملية النمو السريع للمناطق اللا رسمية، جعلتها أساس الشكل العمراني للقاهرة، و صار الرسمي هو الإستثناء. وبسبب ذلك، أخذت المناطق اللا رسمية النصيب الأكبر من الأبحاث العمرانية و الإجماعية و الإقتصادية، لفهم تلك النمط الطاغي علي عمران القاهرة، و عمره لم يتعدي الخمسون عاماً فقط. وأظهرت معظم الأبحاث نتائج تدعو للتأمل، من حيث الكفاءة العمرانية والسكنية، وجودة البيئة الإجتماعية بالنسبة لسكان الإسكان الحكومي، أو حتي المدن الجديدة.
تشمل نسبة العمران اللا رسمي نمطان، يشكلان خطر علي النمط ككل. فهذه النسبة تشمل ٦٪ نمط عمراني عبارة عن هياكل مؤقته (عشش صفيح أو كرتون) وهو نمط عمراني يعتبر خطراً، و يجب سرعة تطويره. وقد تم وصم كل ما هو لا رسمي علي أنه (عشش)، و ذلك كما يعبر عنه الإعلام والسينما. فالحقيقة أنه موجود،و لكن بنسبة ضئيلة. النمط الأخر الذي يشكل خطراً علي النمط اللارسمي، هو اللا رسمي الإستثماري. نموذج من أبراج الطوب الأحمر التي تتعدي الإثني عشر طابق، و قد تصل إلي العشرين طابق، في بعض الأحيان. وقد نطلق علي ذلك النمط "اللا رسمي الإستثماري" حيث أن يقوم مقاولين من سكان المنطقة بشراء عدد من بيوت العائلات الصغيرة، و بناء تلك الأبراج بغرض الإستثمار في بيع الوحدات السكنية والمحال التجارية. مما يأتي بأضرار بيئية و كثافات سكانية كبيرة ويضر المنطقة ككل.
المدن الصحراوية الجديدة:
منتجعات مسورة في الصحراء، خارج قلب المدينة. و هو النمط الرئيسي التي تتبناه الدولة والإستثمار، اليوم. فكما سبق ذكره، بدأ تعمير صحراء القاهرة بمشاريع فيلات سكنية في منتصف التسعينيات. اليوم، تتخطي مساحة المدن الجديدة في القاهرة، الألف كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة القاهرة في السبعينيات و الثمانينات بثلاث مرات. إستهدفت الحكومة ٣،٦ مليون ساكن للمدن الجديدة بحلول عام ٢٠٠٦. و لكن في عام ٢٠٠٦، إحتوت المدن الجديدة علي ٧٦٠ ألف ساكن فقط، أي حوالي ربع المستهدف. و في عام ٢٠١٦، إحتوت المدن الجديدة علي ١،٣ مليون ساكن فقط، أي ثلث المستهدف في عام ٢٠٠٦ تقريباً (٤). ربما تعود أسباب عدم النجاح في إستقطاب أعداد أكبر ، إلي عدة نقاط: - المسافة الطويلة بين قلب المدينة و المدن الجديدة، و نقص الطرق، بالتالي إزدحام هائل للطرق المؤدية من و إلي المدن الجديدة. مثال: محور ٢٦ يوليو - عدم الإحساس بالأمان، فنسب الجرائم في تزايد مستمر، و ذلك بسبب عدم حيوية الشوارع في المدن الجديدة. فالمدن الجديدة مصممة لتكون المباني ذات نشاط واحد، فالمناطق السكنية، خالية تماماً من أي نشاطات ترفيهية أو تجارية، تجعل الشوارع مستخدمه علي مدار اليوم. - عدم توفر الخدمات بالقرب من السكن. الشوارع غير مصممة للمشاه، بل للسيارات. فينتج ذلك تباعد مسافات الأنشطة عن بعض. فالطلبات اليومية للمنزل، تتطلب قيادة السيارة للمركز التجاري ذهاباً و إياباً. - بالفعل، تم بناء وحدات سكنية تغطي مساحة القاهرة الجديدة، تقريباً. ولكن هل سكنت تلك الوحدات؟ أم هي قيد عملية إستثمار عقاري طول الوقت؟ عدم مراقبة السوق الإستثماري ووضع ضوابط له، أنتج مدينة غير مكتملة بصرياً. فجزء كبير جداً من المدن الجديدة هو عبارة مباني تحت الإنشاء، منذ أكثر من ١٥ عاماً. - وأخيراً، شرائح الدخل المستهدفة، و التي تم تخطيط المدن الجديدة بناءً عليها، تساهم في عدم نجاحها. فمثلاً إستهدفت القاهرة الجديدة النسب الآتية من شرائح الدخل: ٢٦،٥٪ شرائح دخل مرتفع، ٦٢،٨٪ شرائح دخل فوق المتوسط، ٦،٦٪ شرائح دخل متوسط، ٢،٨ شرائح دخل محدود، و١،٣٪ الشرائح الأكثر فقراً. فأنتج إستقطاب شرائح الدخل المرتفع و الفوق المتوسط، والذي تبلغ إجمالي نسبته ٨٩،١٪، إلي تحديد التعداد المستهدف، فأنتج كل ما سبق من مشاكل (٥).
إعتبرت الحكومي أن نموذج المدن الجديدة ناجحاً، فقررت تطبيقه بشكل أوسع، من خلال تخطيط عاصمة إدارية جديدة في القاهرة، و بالتجديد، ملاصقة للقاهرة الجديدة و ممتده إلي الكيلو ٤٠ من طريق السويس. وأعلنت أن العاصمة الجديدة تستهدف ٥ مليون مستخدم وقد بدأ بالفعل العمل علي محورين بالتوازي، مشاريع الدولة لبناء الوزارات والهيئات الحكومية، ومنتجعات سكنية مسورة يتخطي فيها سعر المتر المربع ٢٠ ألف جنيهاً، وهو رقم كبير، حتي بالمقارنة بالقاهرة الجديدة التي يكون متوسط سعر المتر ١٦ ألف جنيهاً فقط.
ملف:القاهرة ٢٠٢٥
شكل (٦): خريطة القاهرة عام ٢٠٢٠
ماذا قد يحدث للقاهرة؟
الخطي البطيئة التي شكلت القاهرة تاريخياً، تصتدم بالوتيرة السريعة لتوسعها، مما قد يؤدي إلي فقدان قيمة تاريخية للمدينة. فالسياسات العمرانية والإستثمارات موجهه بقوة للتوسع، ومهمل القلب الحيوي للمدينة. لا توجد خطط إستقطاب كفاءات، ولا خطط فك مركزية وتوجه المكسب، تخطي المسؤولية. المزيد من فصل داخل المدينة لا يتوقف. قلب المدينة، يحوله مشروع ٢٠٥٠ إلي أبراج زجاجية ، غير معروف من سوف يسكن مئات آلاف الأمتر. و ذلك بعد نقل سكان المناطق الفقيرة إلي مناطق مسورة و منفصلة عن المدينة. بالتوازي مع توسع المناطق اللا رسمية، رأسياً و أفقياً، تتسوع مدن الصحراء أكثر و أكثر. ذلك الإستقطاب قد ينتج قلب مدينة خالي و متهالك، محاط بقطبان إجتماعيان وإقتصادياً، نادراً ما يتقابلا، سكان المناطق اللارسمية وسكان مدن الصحراء.
قد تكون صورة مبالغ فيها، أو تشبه تخيلات أفلام ما بعد نهاية العالم. وقد تبدأ الدولة في العمل علي إستراتيجيات إحتواء وعدالة إجتماعية تبعدنا من هذا السيناريو الأسود. ولكن ما يحدث الآن، يجعل القاهرة تسير في الإتجاه المتشائم.
قد تحتاج القاهرة إلي مدينة أخري تنافس أهميتها، تستقطب الفرص، التي بالتبعية تستدهدف مهاجرين من القاهرة. مدينة بعيدة بشكل كافي تتخطي المسافة الحرجة للرحلة اليومية. فتفرض علي الأسر الهجرة بالكامل إلي تلك المدينة. مدينة بها مقومات، و ليست مساحة في الصحراء لبناء حياة من الصفر. مدينة بها إمكانيات زراعية، سياحية، صناعية وخدمية، توفر للدولة بذور التنمية و البدأ من أرض صلبة. ومصر مليئة بالمدن التي تتوفر بها تلك الإمكانيات، مثل الفيوم أو أسيوط أو مدن القناة. فستكون تكلفة تحويل تلك المدن، من مجرد مدن في أقاليم مختلفة، إلي مدن هامة، أقل نسبياً. و سرعة العوائد الإقتصادية، من تطوير مدينة قائمة، قد تكون أسرع بكثير.
المصادر
* (١) Raymond, A. 2001. Cairo: City of History. AUC Press
- (٢) Tipple,G. 2000. Extending Themselves. Liverpool University Press
- (٣) Sims, D. 2015. Egypt's Dessert Dreams. AUC Press
- (٤) شوكت، ي. ٢٠١٣. العدالة الإجتماعية والعمران. نقلاً عن تقارير هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
- (٥) بيومي، و. ٢٠٠٩. قصة القاهرة الجديدة الغير مستوطنة