وثيقة:عن وباء الكوليرا في مصر، عامي١٨٩٥-١٨٩٦: الخليج المصري ومظاهرة الأزهر

من ق.م.ع
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تدوينة
العنوان عن وباء الكوليرا في مصر، عامي١٨٩٥-١٨٩٦: الخليج المصري ومظاهرة الأزهر
تأليف شهاب فخري
تحرير غير معلوم
المصدر صفحة المدق على فيسبوك
اللغة العربية
تاريخ النشر 2020-04-04
تاريخ الاسترجاع 2020-04-13
مسار الاسترجاع https://web.facebook.com/almadaq.cairo/posts/161277375420150?__tn__=K-R

عندما انتشر وباء الكوليرا في مصر عامي ١٨٩٥ و١٨٩٦ كانت السلطات الصحية أكثر استعدادا للتعامل مع المرض، وذلك بعد ثبات نظرية العالم الألماني روبرت كوخ التي ربطت بين مياه الشرب الملوثة وانتشار الكوليرا. فبخلاف الاجراءات الرسمية اثناء وباء ١٨٨٣، صارت مياه الشرب هي محور اهتمام الحكومة، التي اتخذت تدابير مثل: منع تلويث شواطئ النيل، منع السقايين من جلب المياه إلا من أماكن محددة تحت نظر مندوبي الصحة، تغيير مياه الميضة في الجوامع وتركيب حنفيات من أجل الوضوء، إغلاق الجوامع والحمامات العامة التي تفتقر إلى المعايير الصحية الجديدة، ومنع استخدام الأزيار وتدميرها في بعض الحالات. كما اتخذت إجراءات أخرى متعلقة بالتعقيم مثل تجهيز الأطباء بالمواد المطهرة وآلات الرش وعزل الحالات المصابة في المستشفيات لمدة ٦ أيام. وبالفعل، كان لهذه الإجراءات أثر في الحد من انتشار الوباء الذي تسبب في وفاة ١٣٤٣ شخص في القاهرة (مقارنة بـ٨٠٠٠ شخص عام ١٨٨٣). ولكن إعلان الحرب علی مصادر المياه طرح صعوبات كثيرة، فكيف تسيطر الدولة علی نهر النيل بأكمله؟ وكيف تتصرف في المستنقعات التي تتخلف عن فيضانه السنوي؟ وكيف تتعامل مع مياهه التي تغذي الترع والقنوات والبرك التي اعتمد عليها السقايين في توزيع مياه الشرب على سكان المدن وبخاصة أفقرهم؟

انتهزت الحكومة فرصة وباء ١٨٩٥-١٨٩٦ لردم الخليج المصري في القاهرة، وهو إجراء كان محل جدل كبير منذ منتصف القرن التاسع عشر. كان الخليج قناة مائية تبدأ من "فم الخليج" (بالقرب من بداية سور مجری العيون) وتمر عبر السيدة الزينب، الحلمية، الموسكي، باب الشعرية، غمرة، ومنها إلى الأراضي الزراعية في محافظة الشرقية. كان للخليج دوران أساسيان، فهو مصدر لمياه الشرب وفي ذات الوقت مصرف مفتوح. ولكن كان لهذا التناقض حل عملي. ففي نهاية وقت التحاريق، حين ينخفض منسوب مياه النيل وبالتالي فروعه إلى أقل مستوى، يسمح للمنازل المجاورة للخليج بإلقاء قاذوراتها عن طريق فتح مواسير الصرف. عندما يبدأ منسوب مياه النيل في الارتفاع إيذانا بالفيضان في منتصف شهر أغسطس، كان هذا هو وقت "جبر الخليج،" حين يهدم السد عند فم القناة في احتفال شعبي، لتندفع المياه النقية فيه وتحمل ما به من قاذورات إلى الأراضي الزراعية خارج المدينة. بعدها، يأذن للمنازل والحمامات والأسبلة المجاوره للقناة بملأ الصهاريج من أجل تخزين المياه. بالتالي، كانت مسألة ردم الخليج مثيرة للجدل، فكيف تلغي السلطة مصدر حيوي للمياه بدون تقديم حل بديل؟

أخذت الحكومة قرار الردم بعد وباء ١٨٩٥-١٨٩٦ مع تصاعد القلق حول نقاء مياه الشرب، ولكنها أيضا اتفقت مع شركة مياه القاهرة على انشاء بعض الحنفيات العامة. وفي نفس الوقت، تعاقدت الحكومة مع شركة الترام بحيث تردم الشركة القناة وتنشأ مكانه شارع عريض (شارع بورسعيد حاليا) على نفقتها مقابل امتياز انشاء واستخدام خط ترام. إذا، هناك وجهان للإجراءات الصحية الجديدة التي اتخذت في القاهرة، فهي استجابة لظروف جديدة خلقها الوباء من ناحية، وهي فرصة لرأس المال والاستثمار العقاري من ناحية أخرى. وذلك ما عبرت عنه مذكرة نظارة الأشغال العمومية (١٦ يناير ١٨٩٧): "وأما ردم الخليج ففيه على كل حال منفعة لمدينة القاهرة نفسها لأنه يحدث عنه شارع كبير يخترق على خط مستقيم الأقسام المأهولة بالوطنيين فيزيد في قيمة الأملاك التي عليه، لا بل يتأتى عنه فائدة كبرى من حيث المقتضيات الصحية."

حدث عام ١٨٩٦ صدام عنيف بين طلاب الأزهر وقوات الأمن. وصل إلى علم السلطات أن أحد الطلاب السوريين المقيمين بجامعة الأزهر مريض بالكوليرا، فتوجه الأطباء بمرافقة معاون البوليس لأخذ الطالب والكشف عليه وإيداعه في مستشفى العزل. بدأت المناوشات عندما رفض طلاب الأزهر تسليم الطالب وقاوموا رجال الحكومة، الذين هددوا باستخدام القوة. تصاعد الموقف أكثر حين قذف الطلاب الحجارة على مندوبي الحكومة بما فيهم المحافظ وحكمدار البوليس، فكان رد قوات الأمن أنها أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين، مما تسبب في مقتل ثلاثة طلبة وإصابة اثنين آخرين، كما قبضت على المئات من الطلبة الذين شاركوا في المظاهرة، وأمرت الحكومة بأغلاق "رواق الشوام" في الأزهر لمدة سنة كاملة بعدها.